الحمد لله وحده. أما بعد فقد سألني من قريب بعض الإخوة عما إذا كان يجوز أن يتابع أحدهم حلقات الدحيح فيما ليس فيه إلحاد أو ترويج للإلحاد.
ولعل السائل كان يتوجه بذهنه عند طرحه السؤال إلى كلام الغندور في التطور وما يتعلق به، وكأنه ظن أن الموضوعات التي قد يظهر فيها الإلحاد في كلام الرجل تقتصر على ذلك. فأجبته بأن هذا غلط كبير، وبينت له أن الفكر الإلحادي والطبيعية والإنسانوية وغير ذلك من الفلسفات الدهرية التي ينشرها هذا الرجل، أدق وأخفى من أن ينتبه إليها كثير من الناس.
وهذه الحلقة التي أوقفني عليها ألغوريثم اليوتيويب قبل قليل هي خير مثال على ذلك!
قد يرى أحدهم عنوان الحلقة فيقول إنه يتكلم عن إنقراض البشر وانتهاء العالم، ونحن المسلمين نؤمن بأن البشر لهم نهاية والعالم كذلك، فلا بأس بأن أسمع ما يقول! فيسمع ولا ينتبه إلى ما فيه من الدهرية والإلحاد.
فأنا سأبين الآن بحول الله تعالى وبإيجاز شديد وبمجرد التعليق على العنوان وعلى وصف الفيديو الذي كتبه الغندور تحت العنوان، كيف أنه يروج للإلحاد في تلك الحلقة على الحقيقة من حيث لا يشعر كثير من الناس.
فنحن المسلمين أولا وابتداء لا نؤمن بأن البشر سينقرضون! الانقراض حقيقته اختفاء النوع مع بقاء العالم واستمراره كما هو! وهو صرح بهذا المعنى في مقدمة الحلقة!
فنحن نؤمن بأن للعالم ربا قيوما يحفظه ويحفظ نوع البشر فيه حتى يقع لهم في آخر الزمان ما أراد كما أراد سبحانه! ونؤمن، مما جاءت به النصوص، بأن آخر إنسان سيموت على الأرض سيكون هلاكه مع نفخة إسرافيل، التي يتبعها موت جميع المخلوقات ويموت فيها كل حي مما سوى الله تعالى، ثم تبدل الأرض غير الأرض وتعد أرض المحشر، ثم ينفخ إسرافيل النفخة الثانية، فيبعث الموتى وينشرون وتبدأ وقائع الحشر!
فهل هذا الاعتقاد له أثر أو وجود في كلام الرجل ولو بوجه ما؟؟ أبدا!
هل صاحب هذا الاعتقاد يجوز أن يقول إن البشر سينقرضون كما عبر؟؟ أبدا!! هذا اعتقاد الملاحدة الدهرية!
انظر ماذا كتب في وصف الفيديو! قال:
"هل من الممكن أن ينقرض البشر؟.. الحقيقة أن هذا ليس السؤال الذى يجب طرحه.. فهذا السؤال يشبه سؤال: "هل ستشرق الشمس غدا من الشرق؟".. الإجابة ببساطة نعم سينقرض البشر.. هذه حقيقة ثابتة لدى العلماء، لكن السؤال الأهم الآن.. هو "كيف سينقرض البشر"؟ .. من بين عشرات السيناريوهات التي يطرحها العلماء لانقراض البشر.. اخترنا 5 سيناريوهات تخبرنا عن إمكانية انقراض البشر.. ومدى سهولة تحققها، ومدى قرب تحققها منا نحن البشر.. الوباء.. الحرب النووية.. التغير المناخي.. كارثة فضائية.. والذكاء الإصطناعي..
في هذه الحلقة.. نكتشف معا، كيف أن الانقراض هو حقيقة اقرب مما نتصور منا نحن البشر.. ونكتشف ان الانقراض.. هو الأصل وليس الاستثناء.."
قلت: ما هي الحقيقة الثابتة عند "العلماء"؟
أن البشر سينقرضون، وتبقى الأرض من بعدهم حتى تتضخم الشمس وتبتلعها بعد بضعة بلايين من السنين، على ما هو مشهور من كلام القوم، إن لم يصبها نيزك طائش فيدمرها تدميرا قبل ذلك! وقد يأتي النيزك الطائش قبل انقراض البشر، فيدمر الحياة كلها على الأرض أو يدمرها كلها بما فيها ومن فيها، وهو السيناريو الوحيد عندهم الذي لا يكون فناء البشر فيه "انقراضا" على المعنى الذي ذكرنا، بل فناء للأرض وما عليها جميعا!
تأمل قوله "عشرات السيناريوهات التي يطرحها العلماء لانقراض البشر"!
فيا عقلاء المسلمين، بأي حق يتكلم الفيزيائيون أو الكيميائيون أو من شاكلهم في التنبؤ بمصير البشر على الأرض؟
هذا إنما يقبل ويسوغ على أصول الدهرية الطبيعيين، الذين يقولون بأن المادة أزلية أبدية، فلا يفنى شيء في العالم إذا فني، كجنس من الأنواع الحية أو الحياة كلها أو الأرض وما عليها أو المجموعة الشمسية أو حتى الكون بكليته، إلا لسبب طبيعي صرف راجع إلى طبائع تلك المادة نفسها، كما يثبتونها لها! لا متسع في اعتقاد هؤلاء الغيبي لرب بالغيب فيما وراء المادة، له إرادة وحكم وسلطان وعلم، بحيث يبقيها على طبائعها التي اعتدنا عليها ما شاء أن تبقى، ثم يبدل ذلك كله إلى خلافه مما يشاء إذا شاء! هذا هم لا يؤمنون به أبدا، ولهذا استجازوا البحث في تلك القضية بالفرض والتنظير الطبيعي!
وإذن فالذي زعمه الغندور كلاما علميا لمن سماهم بالعلماء، إنما هو تقرير لاعتقاد دهري طبيعاني صرف في نهاية العالم ونهاية البشر، وإن استعمل فيه القوم معادلات الفيزياء أو غيرها من العلوم التجريبية، وإن جمع له الرجل ثلاثين مصدرا على عادته! هذه هي الإسكاتولوجيا الإلحادية الطبيعانية Naturalistic Eschatology باصطلاح الفلاسفة، أي اعتقاد هذه الطائفة الغيبي في مصير العالم ومصير النوع البشري!
والذي يؤمن بصانع بالغيب يا إخوان، فإنه لن يرفض فقط هذه السيناريوهات الخمسة الهزلية التي تكلم عنها الغندور هنا، بل سيرفض وجوبا وضرورة مجرد مبدأ أن يتصدى من سماهم هو "بالعلماء" للبحث فيها بأدواتهم أصلا، لأن هذا كما مر لا يستقيم إلا على مسلمات الطبيعانيين الدهرية الاعتقادية ومن ثم على طبيعيتهم المنهجية! لا خلق ولا تدبير ولا ملكوت سماوي ولا سلطان وإرادة بالغيب ولا شيء على الإطلاق! وإنما هي مادة تتخبط، وطبائع اتفق لها اتفاقا أن صارت حاكمة لها على وجه ما! فالإلحاد ليس فقط في تصديق أي "سيناريو" من تلك السيناريوهات، ولكن في التسليم لهم بمعقولية أن يفترضوها أصلا من طريقهم!
فانتبهوا لهذا بارك الله فيكم.
فيا إخوتي ويا أولادي، النصيحة والوصية لكم ألا تعرضوا أنفسكم لبضاعة هذا المجرم وقد علمتم أنه ينشر الإلحاد! لا تغرنكم طريقته المثيرة في عرض المادة التي عنده، فإنه صاحب حمولة فلسفية إلحادية خبيثة قد تدخل إليكم فعلا من حيث لا تشعرون! فمهما عظم النفع الذي ترجونه من بعض حلقاته، فلا يعدل ضياع الآخرة من أحدكم إن تعلقت بقلبه شبهة إلحادية أسقطت عليه دينه من حيث لم يحتسب، والله المستعان لا رب سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أبو الفداء
All reactions:
6 comments
31 shares
Like
Comment
Most relevant
محمد الجزائري
كيف يمكن التواصل معك؟
أبو معاوية المالكي
محمد الجزائري في الخاص في الفايسبوك على ما اظن
Abdo Khalid
يا شيخ انشر سلسلة شرحك على كتاب شرح الأصبهانية في اليوتيوب
Hadi Ridha
لا يجوز الاستماع للكفار والملحدين ﴿وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتابِ أَن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللَّهِ يُكفَرُ بِها وَيُستَهزَأُ بِها فَلا تَقعُدوا مَعَهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللَّهَ جامِعُ المُنافِقينَ وَالكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعًا﴾ [النساء: ١٤٠]
وقد نزَّل الله عليكم - أيها المؤمنون - في القرآن الكريم أنكم إذا جلستم في مجلسٍ وسمعتم فيه من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها؛ فيجب عليكم ترك القعود معهم والانصراف عن مجالستهم، حتى يتحدثوا في حديث غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها، إنكم إذا جالستموهم حال الكفر بآيات الله والاستهزاء بها بعد سماعكم ذلك مثلهم في مخالفة أمر الله؛ لأنكم عصيتم الله بجلوسكم كما عصوا الله بكفرهم، إن الله سيجمع المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويضمرون الكفر مع الكافرين في نار جهنم يوم القيامة.
من فوائد الآيات
• وجوب العدل في القضاء بين الناس وعند أداء الشهادة، حتى لو كان الحق على النفس أو على أحد من القرابة.
• على المؤمن أن يجتهد في فعل ما يزيد إيمانه من أعمال القلوب والجوارح، ويثبته في قلبه.
• عظم خطر المنافقين على الإسلام وأهله؛ ولهذا فقد توعدهم الله بأشد العقوبة في الآخرة.
• إذا لم يستطع المؤمن الإنكار على من يتطاول على آيات الله وشرعه، فلا يجوز له الجلوس معه على هذه الحال.
- المختصر في التفسير
أحمد جمال عبدالعال
جزاكم الله خيرا ونفع بكم