14/04/2013
مأمون الحسيني

مشعل وعملية استكمال تموضع «حماس» في المحور الآخر!

طرحت إعادة تكليف خالد مشعل رئاسة المكتب السياسي لحركة «حماس»، وللمرة الرابعة على التوالي، بعد تأخير استطال لعام كامل بسبب رزمة من التعقيدات من أبرزها تلك الخلافات الداخلية حيال قضية المصالحة الفلسطينية، وعدم موافقة أي بلد على عقد اجتماع مجلس شورى الحركة الذي يضم ممثلين عن قطاع غزة والضفة الغربية والشتات الفلسطيني، على أراضيه، أو عدم وجود مكان آمن لعقد الاجتماع بعد الخروج من سورية والانقلاب عليها، وفقا لمصادر «حماس». طرح هذا التكليف الذي جاء على شكل فوز بالتزكية، أسئلة قلقة حول توجهات وسياسات وبرامج وموقع الحركة في المرحلة الجديدة المتخمة بالتحديات والإشكاليات التي طفت على سطح المشهدين العربي والفلسطيني بعد اندلاع الفوضى العارمة في العديد من البلدان العربية ووصول ممثلي «الإسلام السياسي» إلى سدة السلطة في كل من مصر وتونس»، وبالأخص ما له علاقة بالمصالحة والتسوية والعلاقة مع الدول العربية، والدول الإقليمية، والولايات المتحدة وبقية العالم.
ينبغي القول في البداية إن اختيار مشعل الذي تسلم رئاسة المكتب السياسي لـ«حماس» للمرة الأولى، عام 1996، ونجا من محاولة اغتيال «إسرائيلية» في أيلول 1997 في الأردن، لشغل المنصب الأهم في الحركة من جديد، كان ترجمة لرغبة فلسطينية وعربية رسمية ودولية، كون الرجل الذي حققت «حماس» في ظل قيادته مكانة بارزة في الساحة الفلسطينية، وتمكنت من السيطرة على قطاع غزة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، يعتبر من الرموز المنفتحة على المصالحة مع حركة «فتح»، ومن الداعين إلى الاعتدال في مقابل العديد من الرموز التي توصف بالتطرف في الحركة الطامحة إلى قيادة الشعب الفلسطيني، والتي تجد نفسها اليوم أمام تعقيدات لا حصر لها: الطلاق البائن مع سورية (وحلفائها)؛ الانتقال الجغرافي الذي سيترتب عليه «انتقال سياسي»، بالضرورة، إلى مصر وقطر؛ توتر العلاقة مع قطاع واسع من المعارضة المصرية، والتعرض لحملة سياسية وإعلامية شرسة، ناهيك عن عملية تدمير الأنفاق التي تمثل الرئة التي يتنفس منها القطاع المحاصر.
ولأن مشعل يتفهم أولويات حلفاء «حماس» الجدد، ومتانة ارتباطاتهم الخارجية، ويدرك الدور المطلوب من حركته، والذي سيكون على حساب «المقاومة» التي بات أبو الوليد، في ما يبدو، من المؤمنين بـ«عبثيتها» حاليا، ولاسيما أن «الربيع العربي»، وفق ما جاء على لسانه، «يحتاج إلى وقت طويل حتى يشعر الفلسطينيون بنتائجه الإيجابية عليهم»، فقد تحول إلى المرشح الأقوى لكل من قطر ومصر وتركيا، كونه «يتفهَم» سياسات هذه الدول، ولن يقوم بإحراجها في فرض القضية الفلسطينية على جدول أعمالها من خلال سياسات «طائشة!» مثل إبقاء العلاقات مفتوحة مع إيران و«حزب الله»، أو الانجرار إلى حرب مع إسرائيل في حالة الحرب على إيران. وعلى هذا الأساس يمكن فهم خروج العديد من الرموز التي تدعو إلى التمسك بالعلاقة مع إيران، أو تصر على مواصلة المقاومة في كل الأحوال والظروف، وتوصف بـ«التيار المتطرف» الذي عارض اتفاقية التهدئة مع إسرائيل والتي تم التوصل إليها بوساطة مصرية، من نمط القيادي محمود الزهار، وعزت الرشق، وسامي خاطر، من المكتب السياسي للحركة.
وعليه، وتحت وطأة التعقيدات المتراكمة، وحاجة قوى الإسلام السياسي، سواء تلك التي صعدت إلى سدة السلطة في مصر وتونس، أو نظيرتها التي يرتفع منسوب نفوذها في بلدان أخرى، إلى دعم الولايات المتحدة الأميركيّة للمحافظة على الحكم أو الوصول إليه، فإن الثمن المطلوب من «حماس» هو تقديم المزيد من التنازلات للقبول بها كلاعب فلسطيني رئيسي يمكنه الوفاء أكثر من غيره بتطبيق الاتفاقات. بكلام أوضح، مطلوب من الحركة الإسلامية التي ترى بعض أوساطها ضرورة مساعدة الإخوان المسلمين على عقد صفقة مع الغرب من خلال تقديم جرعة إضافية من «الاعتدال» أملاً في الحصول على الشرعية العربية والدولية، أن تعلن قبولها بشروط اللجنة الرباعية، والالتزام بالاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية»، وهو ما ترفضه «حماس» حتى الآن، وتحاول الالتفاف عليه من خلال موافقتها، وحتى ترشيحها، رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم «فتح» محمود عباس لرئاسة حكومة الوفاق الوطني في المرحلة الانتقالية، التي جرى الاتفاق عليها في جولات المصالحة الأخيرة، رغم، أو حتى بسبب التزامه بالاتفاقات الموقعة مع تل أبيب وشروط الرباعية، ورؤيته التي لا تجد بديلاً عن التسوية السياسية.
تحت ظلال هذا المناخ، وبهدف توفير البيئة المطلوبة سياسياً وإعلامياً لدفع «حماس» التي يشكل إعادة انتخاب مشعل لرئاسة مكتبها السياسي ملمحاً بارزاً في توجهات الحركة المستقبلية، وبالأخص بخصوص المصالحة والانضمام لمنظمة التحرير، نحو درب ما يسمى «الاعتدال»، تتراكم التحليلات والتقديرات التي ترى أن زيارتي الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري مؤخراً إلى الأراضي الفلسطينية أحيتا مجدداً آمال «السلام» في الشرق الأوسط، ولكن شرط إشراك «حماس» في المفاوضات. وحسب بعض خبراء مركز «مؤسسة بروكينغز» الأميركي، فإن استئناف هذه العملية يقتضي أولا مصالحة الفلسطينيين بين بعضهم البعض. ولا بد من أخذ «الإسلاميين» الذين لهم وزنهم في الاعتبار. ويرى هؤلاء أنه إذا أراد جون كيري أن يساهم في مصالحة محتملة بين «إسرائيل» والفلسطينيين فيجب عليه أن يعترف بأن حماس «طرف يجب أن يجلس حول الطاولة».
ونظراً لأن واشنطن تعارض رسمياً أي تفاوض مباشر مع «حماس» التي تعتبرها، ومنذ العام 1997 «منظمة إرهابية أجنبية»، فإن سفير «إسرائيل» الأسبق في الولايات المتحدة يتوقع أن تقوم دول أخرى بوساطة بين الأميركيين والحركة الإسلامية. وقد تكون تركيا، التي دفع بها الرئيس أوباما مؤخراً إلى التصالح مع تل أبيب كون المصالحة بين الجانبين يشكل عامل «سلام واستقرار في المنطقة»، على حد قول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، هي المرشحة للقيام بهذه المهمة، ولاسيما بعد إعلان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أنه سيتوجه إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في نيسان الجاري، دون أن يثير غضب، أو حتى تحفَظ، واشنطن.

تعليقات القراء

 (عدد المشاركات 0)

أضف تعليقك

الاسم (*)

البريد الإلكتروني

النشرة المستمرة

كاريكاتير

تابعنا على الفيسبوك