خبر عاجل:
أرهابيون يغتالون الصحفي ناجي أسعد بحي التضامن خلال قدومة الى جريدة تشرين
تشرين
03/12/2012

الصناعات اليدوية ... غابت السياحة فحضرت المعاناة!

70 ٪ معدل تراجع المهن وسط مقترحات لمنح الحرفيين قروضا

زيدان: الظروف الحالية ألقت بثقلها على القطاع الحرفي.. خضر: القطاع الحرفي لا يحتاج أموالاً ضخمة بل لجهد تسويقي


تشتهر معظم المدن السورية بالصناعات اليدوية المختلفة التي تعبر عن تراثها وتاريخها الحضاري وخبرة اليد العاملة وتفننها في مثل هذه الصناعات.
وفي فترة الأزمة التي تعيشها سورية فإن العودة إلى مثل هذه الصناعات والمهن عودة بنيوية وحقيقية فمثل هذه الصناعات لديها مرونة في الوضع الراهن وبالتالي يجب التركيز عليها لقدرتها على التعامل والنفوذ إلى الأسواق الخارجية لرفد الاقتصاد الوطني.

فما أهمية هذه الصناعات اليدوية في دعم الاقتصاد الوطني في ظل الظروف الحالية؟ وما خطط إحياء هذه الصناعات والحفاظ عليها من الاندثار؟ وما الصعوبات والمشكلات التي تواجه الحرفيين؟... أسئلة عديدة طرحناها على عدد من المعنيين في الاتحاد العام للحرفيين وعدد من أصحاب المهن والاختصاص.

غياب حيوية المكان

وخلال جولة قمنا بها إلى سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية بدمشق لاحظنا غياب الحيوية والحركة في هذا المكان فأكثر المحال وجدناها مغلقة وبعضها الآخر رغم فتحه إلا أنه خال من الزبائن وعكف أصحابها على وضع طاولات في الخارج والتجمع للعب النرد واحتساء الشاي والقهوة.
أحمد الرباط يعمل في مهنة (القيشانيات الشرقية) وهي عبارة عن قطع خزفية مرسوم عليها نباتات وأشجار أو مكتوب آيات قرآنية وهذه القطع مصنوعة من الخزف الصيني لكن أصلها دمشقي وتتشكل منها عدة أشكال (مزهريات، أباريق، فازات، صحون، زبادي) توضع في البيوت للديكور وكل مواد هذه الحرفة متوافرة وقديمة، وحول هذه المهنة قال الرباط: مهنتنا تعتمد على السياح من دول الخليج وأوروبا بشكل أساسي وهؤلاء السياح غير متوافرين الآن لذلك فحركة البيع معدومة، وبعض الدول أخذت تطلب يداً عاملة في هذه المهنة للعمل في الخارج، ونتيجة قلة العمل امتنع بعض الحرفيين عن دفع الضرائب ما أدى إلى تراكمها، نتمنى السعي إلى إعفائنا من الضرائب أو على الأقل تأجيلها لحين عودة الحياة الطبيعية إلى البلد فلو كانت أمور العمل جيدة لم ينزعج أحد من دفع الضرائب بل على العكس.
أما زاهر الجفل الذي يعمل في صناعة الفضة والأحجار الكريمة فقال: إن صناعة الفضة قديماً كانت من فضة خام دون إدخال أي قطع إليها الآن يتم إدخال الأحجار والمينا والنحاس فأصبحت البضائع اكثر تنوعاً ويتم إدخال النحاس إلى الفضة أيضاً لتخفيض السعر الذي ارتفع بشكل واضح.

ارتفاع الأسعار حتمي

إيليا زيدان نائب رئيس الاتحاد العام للحرفيين قال: إن الحرفيين هم رافد كبير للاقتصاد الوطني ومستعدون بشكل دائم للمشاركة في التنمية الاقتصادية إلا أن الظروف الحالية التي تمر بها سورية كان لها تأثير مباشر على كل الحرف سواء مهنية أم صناعية وأدت إلى تعطيل حركة السوق والعمل.
فالتأثر في الحرف المهنية كان من خلال عنصرين أساسيين هما الإنتاج والتسويق، وارتفاع سعر المواد الأولية أمر حتمي حتى الآن بسبب العقوبات الاقتصادية، والإنسان بطبيعته في البداية يفكر في أمنه وغذائه ومن ثم في أمور أخرى كالشرقيات والمقتنيات الفنية وغيرها، فمنتجات هذه المهن الحرفية التراثية الآن تذهب إلى السوق المحلي، وكل المواطنين لديهم محبة وعشق للتراث القديم في حين كان الاعتماد الأكبر في السابق على السياح الذين يرغبون في اقتناء هذه المنتجات.
واضاف الحكومة الآن مهتمة بهؤلاء الحرفيين، ونحن كمنظمة نرعاهم ونسعى دائماً لأن تكون لهم أماكن خاصة للعمل، ففي مهرجان الربيع يتم فتح سوق خاص بالحرف التراثية في (خان رستم باشا) في حلب، إضافة إلى أسواق أخرى كخان الشونة في حلب، والتكية في دمشق.
واشار زيدان إلى فكرة مشروع يطمح  إليها الاتحاد وهي القرية التراثية للحرفيين وهو مشروع ضخم مكلف يحتاج إلى أرض واسعة حوالى (200 دونم) ليغطي كل الحرف سواء أكانت تراثية أم إنشائية، فيكون خليطاً من القديم والحديث، هذه التجربة سيتم البدء بها في دمشق ثم تعمم على مختلف المحافظات في حال نجاحها وحققت مردودية جيدة، وسيكون اختيار مكان المشروع بالقرب من مركز المدينة ليسهل على الجميع رؤيته والتسوق منه وكل الأمور كانت مستجابة إلا أن ما يعرقل التنفيذ هو الظروف الحالية.
ويضيف زيدان: إن الاتحاد طلب أكثر من مرة من وزير المالية إعفاء الحرفيين من ضريبة الدخل وذلك بقصد تنشيطهم وتفعيلهم والمحافظة على تراثنا، ولكن الرد بالمجمل أنه لا يوجد نص قانوني يعفي هؤلاء، نحن نسعى لإيجاد حل لهؤلاء الحرفيين لأنهم بالتأكيد لو أن حركة الأسواق أفضل فإنهم لن يترددوا في دفع الضرائب، ولكن السؤال الوحيد: ماذا يفعل الحرفي مع انعدام دخله؟؟
ويضيف: عندما يتم دعم الحرفيين وخلق مناخ مناسب لعملهم والاهتمام بهم وتشجيعهم فإنهم لن يتركوا مهنتهم تزول وتندثر، فأي مهنة تزول هي مهنة لم تجد من يرعاها، فالآن وزارة الاقتصاد تدرس منح قروض صغيرة ومتناهية الصغر للحرفيين، ونحن ندرس إمكانية عمل تجمعات لدعم وتسويق منتجاتهم والحرفة حين تندثر لن يبقى لها استعمال ورواج طبيعيان كالسابق، وأصبحت لها بدائل عديدة، فالإنسان قديماً كانت حاجته الضرورية لشيء ما تجعله يفكر في صناعته (فالحاجة هي أم الحرفة)، الآن لم يعد بالإمكان أن تغطي هذه الحرفة القديمة حاجات كل الناس نظراً لكثرتهم وتعدد الخيارات والبدائل.. فمثلاً توجد حرف بسيطة بإمكاننا القول إنها اندثرت، كصناعة كراسي الخيزران وهي صناعة قديمة تطورت وأُحلّ بدل منها الخشب ثم البلاستيك، فالآن البديل أسرع وبتكلفة أرخص، فبقيت هذه المنتجات فقط للزبون الذي يرغب بها حيث انخفض مدخوله الحرفي تدريجياً في هذه المهنة مع انعدام رغبة المواطنين في حيازتها.
ويؤكد زيدان أن نسبة تراجع الصناعات المهنية الآن هي حوالى 70%، وعن  أعداد الحرفيين لا يمكن حصر عددهم لأن التسجيل في الاتحاد غير إلزامي وتوجد أكثر من جمعية تضم الحرفيين لكن عدد المسجلين في الاتحاد يفوق 8000 حرفي من جميع المهن (فخار، نول، ألبسة حرير، الخشب المعشق، زخرفة الزجاج) في كل المحافظات ويمكن أن يكون نشاط مهنة في مدينة أكثر من أخرى، وفي محافظة دمشق تقريباً 2000 منتسب.

الأهمية حسب القطاع

وعن الأهمية الظرفية لمثل هذا القطاع تحدث د.قيس خضر في كلية الاقتصاد جامعة دمشق أن أهمية أي قطاع من القطاعات الاقتصادية تكون نسبية بحسب المكان والزمان الذي تتواجد فيه فبعض أنواع القطاعات الاقتصادية قد تبدو ذات أهمية نسبية جيدة أو كبيرة في بعض الاقتصادات بينما قد لا تأخذ مثل هذه المكانة في اقتصاد معين آخر.
من جهة أخرى فإن محور الزمن يلعب دوراً مهماً فما قد يكون ذا أهمية كبيرة في وقت ما قد لا يكون كذلك في وقت آخر، أما ما يتعلق بالصناعات الخفيفة أو الحرفية التقليدية التي يمكن أن يعول عليها في الاقتصاد السوري مرحلياً فتكتسب بعض المزايا التي تفتح لها أفق النمو والازدهار لاسيما في الوقت الحالي.
وعن العوامل التي تجعل مثل هذه الصناعات الحرفية المهنية التقليدية التاريخية ذات أهمية في مثل هذا الوقت فقد أشار خضر إلى أنها أولاً لا تحتاج لرأس مال كبير من أجل أن يضخ في شرايينها بغية إنعاشها والاستفادة من مخرجاتها (المنتجات النهائية لمثل هذه السلع) فهي تعتمد على الخبرة اليدوية البشرية أي ما يقال في التحليل الاقتصادي إنها مهنة ذات كثافة عمال على حساب رأس المال فالعنصر الرئيس المهم فيها هو العنصر البشري وهو بدون أدنى شك سوق واعدة مليئة تتسم بزيادة المعروض منها في الاقتصاد السوري إذاً هي من جهة تعمل على امتصاص اليد العاملة في ظل معدل بطالة مرتفع كما أنها لا تحتاج لرأس مال كبير من جهة ثانية.
ثانياً: الزمن الذي تمت فيه الاستدارة نحو هذه الصناعات هو زمن الأزمة ففي الأزمات تتراجع منتجات الكثير من القطاعات الاقتصادية التي كانت ترفد الناتج القومي الإجمالي بشكل عام كالصناعات الاستخراجية، قطاع السياحة وحالة التباطؤ والركود التي يتعرض لها الاقتصاد السوري والتي تزامنت مع تراجع في مستوى الإيرادات على مستوى الاقتصاد الوطني ككل في مثل هذه الظروف يأتي التوجه نحو قطاع استثماري يمكن له أن يتحول من الكم إلى النوع أي إن تغذية مثل هذه القطاعات وتحريكها وتضخيمها على أن تأخذ بعداً وامتداداً واسعاً على مساحة سورية يمكن أن تخلق قيمة مضافة كبيرة جداً إذا ما أحسن استخدامها لتعود بالقطاع وبالقيمة المضافة التي يمكن أن ترفد الاقتصاد الوطني في وقت أضحت فيه الموارد عملة صعبة بالنسبة للاقتصاد السوري.

المطلوب العائدية

ويشير د.خضر إلى أن السوق السورية والإمكانات السورية في هذا القطاع هي إمكانات محدودة بشكل عام لا تحتاج إلى أسواق هائلة حتى تستوعب نتاجها فالسوق السوري حتى لو أنتج بأعظم قدراته تستطيع بضع شركات أن تستوعب كل هذا الناتج لذلك يجب التركيز على تسويق هذه المنتجات التي تتميز بقيمة مضافة عالية جداً وبالتالي يمكن أن نتوقع أرباحاً جيدة إذا ما تم تفعيل هذه القطاعات والانتقال بها من تراكم كمي إلى تراكم نوعي أي أن نصبح قادرين على إنتاج كميات كبيرة من منتج معين بنوعية جيدة وبالتالي الدخول إلى الأسواق الخارجية وتخفيف العائدية الاقتصادية المطلوبة.
وهنا نستطيع القول مثلاً إن في الدول المجاورة قد يستطيع لبنان الدخول إلى أسواق العالم من خلال بعض المواد الغذائية كالفلافل والحمص فنجد مثل هذه الأطياف في الأسواق الفرنسية والأوروبية على حين نحن كسوريين ما المانع من أن نجد بعض صناعاتنا تنفذ إلى أسواق الدول الخارجية؟ هل كانت الكثير من الدول الصديقة (روسيا – الصين – دول البريكس – العراق..) ستمانع من دخول هذه الصناعات الحرفية التي تحمل طابعاً حضارياً؟ لا أتوقع ذلك فالضعف هو في التسويق وفي التمويل فتمويل هذه الصناعات يحتاج إلى قرار استثماري يؤخذ على مستوى عال بالتوجه إلى مثل هذه الصناعات فهذه الصناعات تحتاج إلى وضع خريطة معينة ثم يبدأ بالامتداد الجغرافي لها على أن تنتشر لنضع روافد معينة تصب في النهاية في خزان يسمى (خزان الصناعات الحرفية المهنية السورية) فيأتي رافد من المنطقة الشرقية يحمل طابع منطقة الجزيرة ويأتي شيء من هذه الصناعات من مناطق حلب، إدلب والساحل السوري، وحوران وتحمل كل واحدة من هذه المناطق صبغة معينة ثم يصار إلى تسويق هذه البضائع إقليمياً أو خارجياً عن طريق ندوات وبعثات تسويقية تعريفية بهذه المنتجات وإجراء صفقات مع بعض الشركات الخارجية للتسويق الخارجي لها مثل هذه الأمور، أظن أنها ستؤتي أكلها ولكنها تحتاج إلى جهد تسويقي في الخارج وإلى رغبة تمويلية في الداخل إن لم يكن من القطاع الخاص فقد يكون هذا كتوجه من القطاع العام أو توجه حكومي ولا أجد ضيراً في ذلك لاسيما أنها لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة فهي فقط تحتاج إلى رغبة وتوجه صادق نحو هذا القطاع.

تعبير خاطئ

ويؤكد د. خضر أن تعبير نقص اليد العاملة الذي يتداوله البعض عن هذه المهنة هو تعبير خاطئ في مثل هذه الظروف وما يقال إن هناك قوى عاملة هجرت مثل هذه الصناعات أو إن قوى عاملة لا تجد فيها محلاً مناسباً للعمل بسبب ضعف المردود الذي أتى نتيجة عدم وجود أسواق للتصريف وعدم وجود مصادر للتمويل ترعى مثل هذه المنشآت ولكن حالما يتم توفير مناخ تسويقي لمثل هذه المنتجات والتمويل لها سوف تصبح سوقاً واعدة مثلها مثل أي سوق تستطيع استقطاب يد عاملة إضافية لأن هذه اليد العاملة ستجزى وتكافأ من خلال العائدات التي ستحصل عليها عند تسويق المنتجات، في الوقت الحالي لا يوجد أفق كبير لمثل هذه الصناعات لكونها لا تحظى بالمردود الكافي وليس هناك عناية واهتمام بها فبالتالي لن نجد قوة العمل تتجه نحوها لأنها بالأساس في مرحلة كساد أي أن ننتج ثم نرمي الناتج بشكل تدريجي في سوق غير مفعلة فهذا ما سبب ضمور مثل هذه الأنشطة، فاليد العاملة موجودة بكثرة لاسيما أن سورية معروفة بذلك.
الصور:
  • _MG_7063.jpg