قدم وزير المالية محمد جليلاتي أمام أعضاء مجلس الشعب أمس عرضاً تحليلياً لبيان الحكومة المالي حول مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2013، مبيناً أن تقديم هذا المشروع يأتي على حين لا تزال سورية تمر بظروف استثنائية لم يمر بها أي بلد في العالم، وحرب كونية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، مقترنة بعقوبات اقتصادية وسياسية شديدة..
أدت إلى تأثر الاقتصاد السوري بشكل ملحوظ من خلال بعض المؤشرات المتعلقة بالتوازن الاقتصادي وسعر الصرف، ومعدلات التضخم وانعكاساتها على ارتفاع الأسعار، وعجز الموازنة، وتدني معدل النمو الاقتصادي «فبدلاً من أن يكون هذا المعدل كما كان مخطط لها (7–8%) في عامي 2011 و2012 تحول المعدل إلى «سالب»، ما أدى إلى الاختلال في التوازنات السعرية للسلع الأساسية والمواد الغذائية.
وقال الوزير جليلاتي خلال جلسة مجلس الشعب السادسة من دورته العادية الثانية أمس: المشكلة الأخرى التي ألقت بثقلها على «اقتصادنا» هي ما تعرضت له المنشآت الاقتصادية ومشاريع البنية التحتية من مصانع ومشاف ومحطات كهربائية وسكك حديدية وغيرها من أضرار بسبب العمليات التخريبية ما إثر سلبا على الخدمات المقدمة للمواطنين، مضيفاً: إن ذلك ألقى بظلاله على الموازنة العامة للدولة وظهرت الآثار السلبية بشكل واضح من خلال التدني الكبير في الإيرادات العامة للدولة حيث انخفضت الإيرادات الجارية المحصلة خلال 2011 بالمقارنة مع 2010 بنسبة 22%
وانخفضت الإيرادات الاستثمارية بنسبة 40% عن الفترة نفسها نتيجة الحصار المفروض على قطاع النفط إضافة إلى توقف عجلة الإنتاج في الكثير من المؤسسات والشركات الاقتصادية العامة والخاصة.
وأوضح الوزير جليلاتي أن تناقص الإيرادات والمحافظة على النفقات أدى إلى التأثير سلباً على الموازنة من خلال زيادة الإنفاق الجاري ولاسيما الإعانات التي لحظتها الموازنة للشركات والمؤسسات العامة وكذلك الدعم الاجتماعي المقدم للمواطنين وتوفير فرص العمل ومستلزمات العملية التعليمية ومستلزمات المشافي ما أدى إلى ارتفاع عجز الموازنة بما يقدر بنسبة 40% عن العجز المقدر عام 2012.
وأضاف: تم التركيز في الموازنة على تخفيض الإنفاق الاستثماري، أي تأجيله إلى سنوات لاحقة لعدم توافر السيولة وبسبب الظروف الأمنية التي تسود البلاد، وذلك مع إعطاء الأولوية للمشاريع التي بوشر بها، عام 2011 وعدم القيام بتنفيذ أي مشروع جديد حتى انتهاء الأزمة وتوافر الإمكانات المالية المتاحة.
وأوضح الوزير جليلاتي أن أدوات السياسة المالية تحتوي على الإيرادات العامة المتوقع تحصيلها في العام القادم، أي الاعتماد على التنبؤ، والتنبؤ في ظل هذه الظروف من الأمور المعقدة جداً، فيمكن مثلاً استمرار الأزمة أو انتهاؤها أن يؤدي إلى مخالفة التنبؤ، ومن ثم عدم تقدير الإيرادات، على حين فإن النفقات العامة وتحديداً الجارية لا بد من صرفها بغض النظر عن امتداد الأزمة أو انتهائها.
وتابع الوزير جليلاتي: الموازنة في عام 2012 بلغت 1323.5 مليار ليرة، على حين تبلغ في موازنة العام القادم 1383 ملياراً أي بمعدل نمو 4.26%، مشيراً إلى أن النمو منخفض جداً وهو نمو ظاهري لاسيما أننا اعتمدنا هذا العام بالنسبة للقطع الأجنبي اللازم لتنفيذ هذه الموازنة على سعر صرف 60 ليرة للدولار على حين اعتمدنا العام الماضي على سعر صرف 47 ليرة. إضافة إلى معدلات التضخم الحالية والتي من المتوقع أن تحصل عام 2013.
وبيّن الوزير جليلاتي أنه منذ عام 1995 وحتى عام 2002 كان لدينا وفر في الموازنات حتى أصبح لدينا رصيد في حساب الخزينة لدى مصرف سورية المركزي 330 مليار ليرة سورية، إلا أنه بدءاً من عام 2003 بدأت الموازنات بالتراجع وتحققت العجوز حتى وصل العجز إلى 547 مليار عام 2011، ووصلت عام 2012 إلى 740 ملياراً.
ولفت الوزير جليلاتي إلى أن للموازنة شقين إنفاقاً جارياً وإنفاقاً استثمارياً، فالإنفاق الجاري عام 2012 كان 951 مليار ليرة، وفي موازنة 2013 يبلغ 1108 مليارات، هي 317 مليارا للوزارات والإدارات متضمنة الرواتب والأجور والنفقات الإدارية والتحويلية والتزامات صندوق الوفاة، و512 مليارا هي الدعم الاجتماعي، إضافة إلى 132 ملياراً «نفقات وزارة الدفاع»، مشيراً إلى أن الإنفاق الجاري ازداد بنسبة 16% بسبب زيادة الدعم الاجتماعي في المشتقات النفطية والدقيق التمويني وصندوق المعونة الاجتماعية وصندوق تنمية الإنتاج الزراعي من 386 ملياراً إلى 512 ملياراً، إضافة إلى الزيادة الدورية في الرواتب والتعيينات.
أما الإنفاق الاستثماري فبين الوزير جليلاتي أنه تم تخفيضه في «الموازنة» من 375 ملياراً إلى 275 ملياراً أي تناقص بمعدل 26% عن عام 2012.
وقال الوزير جليلاتي: إن إجمالي الموارد المحلية كانت 797 مليار عام 2012 تناقصت إلى 638 ملياراً في موازنة 2013، «فإذا لاحظنا الإيرادات الجارية والتي أهمها الضرائب والرسوم كانت 278 ملياراً فأصبحت 189 ملياراً بسبب توقف عدد كبير من المشاريع العامة والخاصة وتدني استغلال الطاقة الإنتاجية ومشكلة النقل ومشكلات أخرى كالعقوبات الاقتصادية ومشكلة النفط والمشتقات النفطية.
وتابع الوزير جليلاتي بالقول: إن العجز المقدر في موازنة 2012 كان 528 ملياراً فأصبح 744 ملياراً وهو عجز كبير مشيراً إلى ثلاثة مصادر محتملة لتمويل هذا العجز ومعالجة آثاره التضخمية الكبيرة، «فهناك 3 طرق للمعالجة، الأول بطبع العملة وهذا يترافق مع «آثار تضخمية كبيرة» والثاني هو الاستدانة من المواطنين عن طريق بيع سندات الخزينة» وهذا قد لا يلقى إقبالاً من المواطنين في الظروف التي تمر بها البلاد، أما الثالث فهو الاستدانة من الخارج، مشيراً إلى قرض محتمل قد تحصل عليه سورية من روسيا، مضيفاً إن الحكومة قد تجد توليفة لمعالجة العجز من المعالجات الثلاث، مشيراً إلى أن السياسات التي ستعتمد للإصلاح المالي هي سياسات إسعافية وليست طويلة الأمد وتشمل معالجة أوضاع الشركات والمؤسسات العامة الخاسرة أو المتوقفة عن العمل، وضبط وترشيد الإنفاق العام في شقيه الجاري والاستثماري والإسراع بتنفيذ المشاريع الاستثمارية المباشر بها ومعالجة آثار ونتائج الدعم الاجتماعي مشيراً إلى 512 ملياراً تعطى توجه إلى 23 مليون مواطن وتعطى لقطاع الصناعة والزراعة والنقل، فقطاع الصناعة وخاصة في القطاع الخاص يعكس هذا الدعم على أسعار المبيع للمواطنين، منوهاً إلى ضرورة توجيه الدعم إلى مستحقيه. هناك دراسة حول بطاقة ذكية تحول الدعم إلى مستحقيه بحيث يضاف الدعم إلى راتب ذي الدخل المحدود.
إذا قلنا إن من يعمل بأجر في سورية هم 4 ملايين مستوى الرعاية هو 5 أشخاص ما يشير إلى أن 20 مليون مواطن هم من ذوي الدخل المحدود، فمن هم الأغنياء إذاً؟ هل هم مليون مواطن؟. مضيفاً: أنا أقول هم 70 شخصاً على مستوى البلاد، هناك سوء في توزيع الدخل القومي وليس من المعيب الاعتراف بذلك.
ولفت الوزير جليلاتي إلى أن مشروع الموازنة لعام 2013 تضمن وللمرة الأولى بنداً خاصاً بمبلغ 30 مليار لإعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية التي طالها التخريب، وهذا المبلغ «المتواضع» يأتي ضمن الإمكانات المتاحة، «ويمكن مستقبلاً تخصيص موازنة استثنائية لصحيح وتصليح ما تم تدميره خلال الأزمة».