أظهر التقرير السنوي لغرفة تجارة دمشق في عام 2011 اضاءات على مسيرة الاقتصاد السوري في عام 2011 وملامح الاقتصاد السوري والعالمي في العامين الجاري والماضي، ولفت التقرير الذي حصلت «الوطن» على نسخة منه إلى أن تأثير الأزمة التي عاشتها سورية في واقعنا الاقتصادي جلي، وكادت النتائج تكون أسوأ بكثير لولا الإمكانات الجيدة التي تتمتع بها سورية والتي اعتمدت عليها في التخفيف من آثار هذه العقوبات.
وبدراسة بسيطة للعقوبات التي فرضتها الجامعة العربية، بيّن تقرير الغرفة أن تأثيرها الأكبر سيكون في دول الجوار وهي لبنان والعراق والأردن، فهذه الدول أبدت تحفظها على العقوبات مع بداية توقيعها، وخاصة أن سورية تصدر إلى العراق نحو 30% من إنتاجها يضاف إلى ذلك وجود نحو 200 ألف مواطن عراقي في سورية. وبالنسبة للبنان تعتبر سورية الممر البري الوحيد له وحجم التبادل التجاري بين البلدين يصل إلى 600 مليون دولار، إضافة إلى أن القطاع المصرفي اللبناني توسع باتجاه سورية في السنوات الأخيرة، حيث إنه يعمل في السوق السورية حوالي سبعة مصارف لبنانية.
وفيما يخص الأردن، فإن سورية هي منفذ بري للبضائع الأردنية إلى لبنان وتركيا، وحجم التبادل التجاري السوري الأردني يبلغ نحو 550 مليون دولار.
ويشير التقرير إلى أنه إذا ما بقيت أسواق لبنان والأردن والعراق مفتوحة أمام المنتجات السورية فإن الحديث عن عقوبات يصبح تعبيراً عن موقف سياسي، بينما تأثيراته الاقتصادية في سورية ستكون طفيفة.
وأكد التقرير أن عملية الإصلاح الاقتصادي التي بدأت في سورية مع بداية الأزمة يجب ألا يكون هدفها إعادة الاقتصاد إلى ما كان عليه، بل لابد من إعادة هيكلة الاقتصاد السوري بما يتفق مع منظومة الاقتصاد الحر والموجه في الوقت نفسه (السوق الاجتماعي بحقيقته).مشيراً إلى أن معدل النمو في سورية بلغ عام 2011 (3%) وفق إحصائيات رسمية وبيانات صندوق النقد الدولي مقابل (5.5%) في عام 2010 أي بتراجع (2.5%) كما أن معدل التضخم تجاوز (6%) عام 2011، ومعدل البطالة تجاوز (8%).
ما يقتضي إعادة هيكلة الوحدات الاقتصادية بأولويات مدروسة لكي يتم تحقيق الكفاءة الاقتصادية فيها ويتم رفع تنافسية هذه الوحدات، إضافة إلى تعزيز قوى السوق وآلياته وفتح المجال للمنافسة الاقتصادية الفعالة.
الصادرات السورية
ويشير التقرير إلى تحسن الصادرات السورية في الربع الأخير من عام 2011 وخاصة مع التسهيلات المقدمة من الجانب العراقي للبضائع السورية إضافة إلى التسهيلات التي منحتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمصدرين السوريين بتخفيض (60%) من الرسوم الجمركية على عدد من البضائع السورية ، وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين إيران وسورية. أضف إلى ذلك فإن سعر صرف الليرة السورية كان عاملاً مهماً، حيث انعكس بشكل ايجابي على نمو وزيادة الصادرات السورية خلال عام 2011, وتشير التقديرات الأولية إلى أن حجم الصادرات السورية وصل خلال العام الماضي 2011 إلى 600 مليار ليرة سورية.حيث نمت الصادرات السورية خلال الربع الأول من عام 2011 بنسبة 22% مقارنة مع مؤشرات عام 2010 في حين انخفضت نحو 30% خلال الربع الثاني لتتحسن في الربع الثالث، وتعود إلى معدلاتها الطبيعية تقريباً بانخفاض 4%.
كما شهد سعر صرف العملة السورية خلال عام 2011 تذبذباً ملحوظاً, إذ ارتفع مقابل الدولار وفق بيانات مصرف سورية المركزي من نحو 49 ليرة سورية ليتجاوز في نهاية العام 55 ليرة سورية، أما في السوق غير النظامية فقد وصل سعر الصرف إلى 62 ليرة سورية.
وأكد التقرير أن قرار تقليص دور المصرف المركزي بعملية تمويل المستوردات تسبب بتراجعها بنسبة تتراوح بين 10 و40%. كما كان لانخفاض الواردات أثره الواضح في ارتفاع الأسعار نتيجة لتراجع العرض إضافة طبعاً إلى ارتفاع أسعار بعض المواد عالمياً والتي ارتفعت في سورية بدرجة أكبر.
وفي مجال إنتاج النفط والغاز فقد تراجع إنتاج سورية من هذه المادة الحيوية - حسب التقرير - بنحو (30%) نتيجة العقوبات التي طالت هذا القطاع.
كما أن أداء سوق دمشق للأوراق المالية خلال عام 2011 كان متواضعاً نوعاً ما بسبب الظروف السائدة ما أثر سلباً في المؤشر العام للسوق.
وتحدث التقرير عن دور القطاع الخاص في الأزمة السورية، مبيناً بأن هذا الدور ظهر جلياً خلال هذه الأزمة، من خلال السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الحاجات الأساسية للمواطن السوري من خلال تطوير الصناعات المحلية وزيادة إنتاجيتها إضافة إلى العمل على دخول المنتج السوري المنافس إلى أسواق جديدة وإيجاد أسواق تصديرية.
وبخصوص اقتصاد عام 2012 توقع التقرير استقرار الأوضاع في سورية حتى نهاية العام وإعادة إنتاج بيئة اقتصادية جديدة تتناسب مع طموحات وآمال الشارع السوري.
ملامح اقتصادية عربية وعالمية
وفي إشارة التقرير السنوي لغرفة تجارة دمشق إلى الملامح اقتصادية العربية، بيّن أن الاقتصاد العربي لعام 2011 شهد تغيرات كثيرة نتيجة للأوضاع السياسية الاستثنائية التي تعرضت لها مجموعة من الدول العربية, حيث انخفض معدل النمو الاقتصادي في دول شمال إفريقية إلى 5% عام 2011 مقابل 6.3% عام 2010، نتيجة الهبوط الحاد في النشاط الاقتصادي بكل من تونس ومصر، وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي التي زاد إنتاجها النفطي مؤقتاً لمواجهة ارتفاع أسعار النفط ونقص الإنتاج الليبي، فقد وصل نموها إلى أكثر من 7%. كما أن تدفقات الاستثمار العربي تراجعت في عام 2011 نظراً لسيطرة حالة من الحذر على المستثمرين العرب وخصوصاً داخل الدول التي شهدت تطورات سياسية. وربما كانت أبرز الظواهر الاقتصادية في الدول العربية ارتفاع الخسائر الاقتصادية فيها إلى أكثر من 100 مليار دولار (نحو 10 مليارات دولار في مصر و5 مليارات دولار في تونس، وتقدر خسائر ليبيا بـ25 مليار دولار)، وزيادة معدل البطالة إلى 20% من حجم قوة العمل حيث وصل عدد العاطلين إلى 20 مليون عاطل عربي. وكان القطاع السياحي هو الأكثر تأثراً، حيث تراجعت معدلات السياحة في بعض الدول التي شهدت اضطرابات مثل مصر بنسبة 80% وانخفضت إيراداتها إلى أقل من ملياري دولار نزولاً من 13 مليار دولار في عام 2010، كما تراجعت معدلات الصادرات بنسبة 45% وانخفضت القيمة السوقية للأسهم المصرية بنسبة 50% وخسرت نحو 200 مليار جنيه بنهاية عام 2011 وازداد عجز الموازنة المصرية إلى نحو 161 مليار دولار خلال عام 2011. أما في ليبيا فقد ارتفع حجم الخسائر إلى أضعاف ذلك بسبب انهيار البنى التحتية، كما أن اليمن أيضا شهدت تأثرا كبيراً وخسرت ثلث الناتج المحلي.
وعالمياً، شهد عام 2011 تباطؤاً بعد فترة انتعاش عام 2010، إذ نما الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3% مقارنة مع 3.9% في 2010. كما أن البلدان الناشئة حققت نمو بنسبة 6%، مقابل 7% سجلتها خلال سنة 2010 .إلا أن عبء أزمة الديون السيادية جاء ثقيلا على نشاط الاقتصاد العالمي سنة 2011 ما هدد جزءاً من أوروبا بالركود، وأثر في قدرت الولايات المتحدة على التسديد وزاد من خطورة مديونيتها.