استهجن الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية ما ورد في دليل المخاطر على الأمن الغذائي الذي نقلته وكالات الأنباء مؤخراً عن مكتب الاستشارات «مايبلكروفت» في لندن، مؤكداً بأنه «تقرير مسيس بشكل واضح، وفيه مغالطة اقتصادية كبيرة»، معتبراً مقارنة سورية البلد (الزراعي، الصناعي التحويلي) ذات الاقتصاد الحقيقي وتصنيفها في المرتبة نفسها مع اليمن «خير برهان على خطأ وعدم توخي هذا التقرير للدقة في تقييمه».
وكان تقرير «مايبلكروفت» السنوي الذي صدر قبل أيام اعتبر أن تراجع إنتاج الحبوب في الولايات المتحدة وروسيا (نتيجة الجفاف)، يهدد الأمن الغذائي في شمال إفريقية والشرق الأوسط اللذين يواجهان أساساً وضعاً صعباً نتيجة ما اسماه «ثورات الربيع العربي»، مصنفاً اليمن وسورية في طليعة هذه الدول ضمن الفئة عالية المخاطرة في المرتبة (15- 16) على التوالي.
وبيّن فضلية في حديث لـ«الوطن» أن سورية لم تتأثر بالعاملين الواردين في التقرير، فرغم موجة الجفاف في روسيا، وبعد أكثر من عام ونصف العام من الأزمة في الداخل السوري، فإن سورية تمكنت من جمع محاصيلها الأساسية، بدليل أن المصرف الزراعي السوري سدد ومنذ أكثر من شهرين ثمن 2.2 مليون طن على الأقل من القمح، ما يشكل مخزوناً استراتيجياً يكفي لعامين مقبلين.
بدوره أوضح مدير الشؤون العامة في المؤسسة العامة للحبوب يوسف قاسم لـ«الوطن» أن التقرير الذي يضع سورية في المرتبة (16) ضمن الفئة العالية المخاطر على حين ليبيا في المرتبة (58) ومصر في المرتبة (71) ضمن الفئة متوسطة المخاطر، هو تقرير خاطئ بالمطلق، فسورية تعتمد على مبدأ المخزون الإستراتيجي مدة سنتين، على حين تعتمد مصر على مبدأ المخزون لثلاثة أشهر.
وبيّن قاسم أن سورية -ورغم عامل المخاطرة- تملك الإمكانية لإفشال أي إعلان لاستيراد القمح في حال لم يناسبها السعر أو كان أعلى من الأسعار العالمية، في وقت لا تمتلك مصر القدرة على إفشال أي مناقصة لأنها مضطرة للاستلام بشكل دائم، وخاصة أنها قبل الموسم الأخير قللت مشترياتها معتقدة بإمكانية انخفاض الأسعار لتفاجئ بعكس هذا الشيء فيما بعد، لذلك فمصر مضطرة لتثبيت إعلاناتها أسبوعياً لأنها إن أوقفت إعلاناً واحداً فلن يبقى لديها طعام لأشهر. وأكد قاسم أن المؤسسة العامة للحبوب تمتلك اليوم في صوامعها (كموجود فعلي) ما يكفي لعام ونصف قادم بأقل تقدير، وتسعى المؤسسة لإيصالها إلى السنتين عن طريق الاستيراد، وذلك في حال لم تزرع سورية أي متر من أراضيها الزراعية للموسم القادم. من جهته، قال مدير عام الشركة العامة للمطاحن أبو زيد كاتبة، أن لدى سورية أزمة ولكنها ليست أبداً بهذا السوء أو للسبب الذي جاء في دليل مخاطر المكتب اللندني، فأزمة سورية هي أساساً في حاجتها اليوم للاستيراد بعد أن كانت بالأمس القريب -ولا تزال تستطيع العودة- لسد احتياجاتها وتأمين مخزونها الإستراتيجي من إنتاجها المحلي فقط.
وكشف كاتبة في تصريح لـ«الوطن» عن أن سورية بصدد استيراد 1.3 مليون طن من القمح بسعر (287 يورو) للطن الواحد، وذلك لاستكمال تقليدها المعهود في الاحتفاظ بمخزون إستراتيجي لعامين مقبلين، وهذا الرقم دون حساب الموسم الزراعي المحلي القادم.
وأرجع مدير عام المطاحن الحاجة للاستيراد خلال السنتين الماضيتين فقط إلى ما وصفها بقرارات لم تكن صائبة وقف خلفها أشخاص «مشكوك في نياتهم وكأنهم يريدون تدمير أسس الأمن الغذائي للبلد»، مستشهداً بقرار رفع سعر المازوت عام 2008 حين قفز سعر اللتر وخلال شهر من 7 إلى 25 ل.س، ما أدى إلى ازدياد تكلفة الزراعة دون زيادة الوارد بشكل متناسب.
وبيّن كاتبة أن سعر كيلو القمح كان في تسعينيات القرن الماضي 12 ل.س، لكنه كان كافياً لشراء ما يقارب لتري مازوت بسعر 7 ل.س للتر، الأمر الذي دفع الكثير من الفلاحين للعزوف عن الزراعة ولاسيما أن 70% من هؤلاء يعتمدون في زراعتهم على الأراضي المروية ومن ثم يحتاجون للمازوت لتشغيل مضخات المياه، وكانت النتيجة الحتمية لعزوف هؤلاء انخفاض المخزون من 6.5 ملايين طن عام 2006 إلى أقل من مليون طن عام 2008.
واعتبر مدير عام المطاحن أنه على الرغم من رفع السعر اليوم إلى 22 ل.س للكيلو فإنه لا يكف لشراء لتر مازوت بسعر 25 ل.س للتر.
ومنعاً لحدوث أدنى تهديد للأمن الغذائي مستقبلاً، توجه كاتبة بنداء إلى الحكومة بضرورة الإعلان فوراً عن رفع سعر كيلو القمح وتثبيته من اليوم عند 30- 35 ل.س للكيلو، وخاصة أننا على أبواب الموسم الزراعي الجديد، وذلك لتحفيز الفلاحين على العودة إلى زراعة أراضيهم وتأمين متطلبات الاستهلاك والمخزون الإستراتيجي من الإنتاج المحلي وسد الحاجة للاستيراد.