الإصلاح الاقتصادي والمصرفي والضريبي كانت أبرز المحاور التي تناولها مؤتمر الإصلاح الإداري والاقتصادي والاجتماعي في يومه الثالث والذي يختتم أعماله اليوم بمجموعة من التوصيات حيث إن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يكون الهدف منه الارتقاء بحياة المواطن وتأمين فرص العيش لهم ويجب أن تصب نتائجه بالضرورة في خدمة التنمية المجتمعية الشاملة وصولاً إلى دولة الرفاهية والعدالة الاجتماعية.
وتحدث الدكتور إبراهيم عدي في محاضرته حول «النظام الضريبي في سورية» عن بعض نواحي القصور والضعف في النظام الضريبي السوري الحالي مبيناً أن لكل نوع من الدخل نوعاً من الضرائب وبالتالي فإن نظام الضرائب النوعية لا يتناول جميع عناصر الدخل ما ينعكس على نقص حصيلة الضريبة الفعلية وحتى اللجوء إلى المعدلات الضريبية التصاعدية يحقق نوعاً من العدالة الظاهرية في توزيع الأعباء الضريبية وبقي هذا النظام وكأنه من مطاط ملائم لكل الحقب السياسية التي مرت على سورية وكانت التعديلات ترتبط إلى حد كبير بالمادة 16 من المرسوم 85 لعام 1949 فكانت تتحرك باستمرار حتى وصلت نسبة الاقتطاع الضريبي الظاهري إلى 93% من الأرباح الصافية، وعادت هذه المعدلات وتراجعت تدريجياً من تكاليف عام 1993 وحتى يومنا هذا حيث تتراوح بين 28% و14% ومع ذلك لم تتأثر الحصيلة الضريبية بشكل كبير.
وأضاف عدي: على الرغم من الحديث عن القانون 24 لعام 2003 باعتباره جزءاً من الإصلاح الضريبي فوجئ المكلف بالضريبة ومراقب الدخل ودارس الضريبة ومدرس الضريبة بأن هذا القانون لم يكن مدروساً وأن القانون 41 لعام 2005 نقل بعض الشركات المساهمة من ضريبة الأرباح الحقيقية إلى ضريبة الدخل المقطوع أي أصبحت هذه الشركات تحقق أرباحاً كبيرة وتعامل مثل أي محل صغير ضريبياً.
وبيّن عدي أن وزارة المالية وقعت في خطأ كبير عندما فرضت ضريبة دخل على الرواتب والأجور بنسبة 22% على حين تصل نسبة الضريبة على دخل بعض الشركات المساهمة إلى 14% وأضاف: إن ما يسمى الإصلاح الضريبي يسير بعكس الاتجاه فالاتجاه الصحيح هو التوحيد الضريبي وليس التفتيت الضريبي أي التوجه نحو ضريبة الإيراد العام.
وأشار عدي إلى أن الإدارة الضريبية تتميّز بعدم وجود إدارة ضريبية كفؤة مؤهلة لوضع التشريعات الضريبية الجديدة موضع التطبيق وعدم وجود مراكز للإرشاد الضريبي تقدم المشورة المجانية والتوعية للممولين وعدم وجود كادر متخصص في فهم الأنشطة الاقتصادية ونسب الأرباح التقديرية وعدم وجود مراقبة لمراقب الدخل وضعف التنسيق بين الدوائر المالية والدوائر الحكومية الأخرى.
وبيّن عدي أن الضرائب المباشرة يمكن أن تكون عادلة والضرائب غير المباشرة غير عادلة وأن الاعتماد على نظام الضرائب النوعية يقود النظام الضريبي السوري إلى البعد عن العدالة، وفرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على الجميع بالتساوي هو ظلم للفقير وأن عدم تطبيق الفوترة هو مؤشر على عدم القدرة على مكافحة التهرب الضريبي وهو مسؤولية وزارتي الاقتصاد والمالية معاً.
وبيّن الدكتور مظهر يوسف في محاضرته عن «دور المصرف المركزي في عملية الإصلاح المصرفي» أن المصرف المركزي في أي بلد يعتبر قلب الجهاز المصرفي ويحتل المرتبة الأولى في النظام المصرفي ولا يمكن لأي عملية إصلاح مصرفي أن تنجح إذا لم نقم بإصلاح المصرف المركزي ومنحه الاستقلالية اللازمة للقيام بعملية الإصلاح وأن للإصلاح المصرفي ضرورات داخلية وخارجية.
وأوضح يوسف أنه خلال الفترة الماضية تم اتخاذ الكثير من الخطوات في مجال الإصلاح المصرفي في سورية مثل السماح بإنشاء المصارف الخاصة وإقامة سوق للأوراق المالية وإحداث مكاتب وشركات الصرافة وأنه لاستكمال عملية الإصلاح المصرفي لا بد من إصلاح المصرف المركزي من خلال توسيع استقلاليته ومنحه حرية أكبر من خلال إقرار برامج الإصلاح ومشاركة أكبر في إدارة السياسة النقدية وتعديل التشريعات.
ويقوم المصرف المركزي في أي بلد بالإشراف على النشاط المصرفي بشكل عام ويقوم بإصدار أوراق النقد ويعمل على استقرار العملة الوطنية وهو بنك الحكومة ومستشارها المالي ويقوم بكل خدمات الحكومة المالية ويشارك في رسم السياسات النقدية والمالية ولقيامه بمهامه يستعمل العديد من السياسات والأدوات مثل: عمليات السوق المفتوحة والاحتياطي الإلزامي وسياسة سعر الخصم. وإن نجاح المصرف المركزي يحتاج إلى الاستقلالية والحيادية والمصداقية وشفافية السياسة النقدية حيث تعتبر الاستقلالية شرطاً أساسياً لقيام المصرف المركزي بدوره الحقيقي وأداة لتحسين مصداقية المؤسسات الاقتصادية وصانعي السياسات الاقتصادية وإحدى المسائل المهمة في إطار البحث عن الإطار المؤسسي الذي يساعد السياسة النقدية في إبقاء معدلات التضخم عند مستوياتها المتدنية في الأجلين المتوسط والطويل.
وبيّن الدكتور غسان إبراهيم في محاضرته في ما يخص «الإصلاح الاقتصادي في سورية» أن الإصلاح الاقتصادي خطوة لتحقيق الإصلاح الاجتماعي وأن أرقام المعدلات الاقتصادية غير مهمة ولكن الجوهري هو الدلالة الاجتماعية للرقم الإحصائي والمؤشرات الاقتصادية حول الخطة الخمسية العاشرة لا دلالة لها إذا لم تنعكس اجتماعياً.
وأضاف: لقد هيمن الخطاب الاقتصادي المستورد من الخارج ومن أوروبا بالتحديد وتم الانشغال بالمسألة الاقتصادية على حساب المسائل الأخرى على الرغم من أن الإصلاح الاقتصادي هو بالقوة كما تقول الفلسفة بمتناول أي دولة إذا توافرت الإرادة السياسية وأن الإصلاح الاقتصادي في دول الشمال يعتمد كأداة لتحسين الأداء الاقتصادي وللانتقال من الجيد إلى الأجود أما في دول الجنوب فيشكل مخرجاً للطوارئ والأزمات الاقتصادية المتشكلة. وأشار إلى أن موجبات الإصلاح الاقتصادي في سورية تمثلت بارتفاع خسائر القطاع العام الصناعي وارتفاع معدلات البطالة والفقر وانخفاض الإنتاجية وتزايد عجز الموازنة وانخفاض معدلات الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي وانخفاض القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني وقصور دور القطاع الخاص في فتح فرص عمل تنسجم مع مساهمته بالناتج المحلي الإجمالي وضعف الحصيلة الضريبية وزيادة التهرب الضريبي وضعف الاستثمار الأجنبي.