تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
الاثنين 4-2-2013 - رقم العدد 15068
الثورة:     التلفزيون العربي السوري يبث اليوم لقاء مع العماد فهد جاسم الفريج يتناول تطورات الأوضاع         الثورة:     "الثورة" تستطلع آراء فعاليات حزبية وسياسية ونقابية وأكاديمية        
طباعةحفظ


العدوان الإسرائيلي الجوي على سورية: بيـــن الخلفيـــة والنتائج

الصفحة الاولى
الاثنين 4-2-2013
العميد الدكتور أمين محمد حطيط *

في لحظة اعتبرت الاكثر حراجة منذ بدء العدوان الغربي على سورية اغارت طائرات اسرائيلية على مركز ابحاث علمي تابع لوزارة الدفاع في جمرايا على بعد 38 كلم من الحدود السورية اللبنانية فقصفته بصواريخ اطلقت عن بعد 22 كلم ودمرت بعض اجزائه.

عدوان روجت اميركا له قبل التنفيذ واستمرت على تبنيه بعد التنفيذ وارفقته بتهديد لسورية اذا قامت بنقل سلاح الى حزب الله، تهديد من اجل التمويه وصرف النظر عن العدوان ذاته وعن الاهداف التي توختها اميركا منه، فما هي حقيقة الدوافع وخلفية العدوان والاهداف التي رمى اليها والتداعيات.‏

بداية لا بد من التذكير بان المجموعات المسلحة والارهابية التي تنفذ العدوان على سورية بقيادة وتوجيه اميركي، عولت على تدخل اجنبي مباشر يحاكي ما نفذ في الخليج اوفي افغانستان اوالعراق اواقله ما نفذ في ليبيا، موقنة بـ«النصر» لان الغرب الذي امتلك زمام الامور وقاد العدوان لن يتراجع مهزوما ولا يمكنه الوقوف دون تحقيق اهداف عدوانه والتي اقلها كما خطط، اسقاط النظام المقاوم للمشروع الغربي واقامة النظام العميل - الدمية التابع له.‏

لكن تلك الاحلام والامال، ذهبت ادراج الرياح اذ ومع اقتراب المواجهة من عامها الثاني بات المشهد يظهر حقائق لا ينكرها الا مخبول اومجنون فالواقع يؤكد بان العدوان هزم وان سورية باتت تسير حثيث وبخطى ثابتة نحوانجاز المرحلة النهائية من المواجهة وتتحضر لاستعادة السيطرة والامن لما تبقى من مناطق دخلها المسلحون وزعزعوا استقرارها وقد تأكدت الحقيقة تلك عبر ادلة وقرائن ميدانية وسياسية:‏

فعلى الصعيد الميداني: يلاحظ تراجع مناطق الاشتباك حيث كان للمسلحين القدرة على التواجد ومواجهة القوات المسلحة النظامية من جيش وقوى امنية، تراجعت من 16 منطقة (كبرى ووسطى) الى 8 مناطق ما يعني تراجعاً بمقدار النصف مع تسجيل للخسائر في صفوف المسلحين بين قتيل ومصاب ومخرج من الميدان بما يتعدى النصف ايضا من مجموع المسلحين، وقد اكدت ذلك ايضا تقارير استخبارية اميركية تقول بان عمليات المسلحين تراجعت بنسبة 40% في اقل من 3 أسابيع (عممت التقارير بتاريخ 29 /1/2013 ).‏

اما على الصعيد السياسي فيسجل تصدع في صفوف ما يسمى المعارضة السورية، ولم يقتصر الامر على ما كان من تشتت وتناحر بين اشخاصها وانقسام مبدئي بين فئة معارضة ترفض اي حوار وطني وتطالب بالتدخل العسكري الاجنبي تحت الفصل السابع اوخارجه، وفئة ترفض التدخل الاجنبي وتتقبل بطريقة ملتبسة فكرة الحوار ولكنها تتخذ الموقف الذي لا يوحي بالطمأنينة لجهة القدرة على السير قدما في حوار ينهي الازمة بما يحفظ سيادة سورية وقرار الشعب السوري المستقبل، بل زاد الامر تعقيدا في صفوفها حيث اخفق ما يسمى «ائتلاف الدوحة» في تشكيل حكومة انتقالية يطمح عبرها الى استلام السلطة في سورية، وتراجع حجم ما زعم انه مؤتمر «أصدقاء سورية» من 104 دول شاركت في الغرب الى 45 دولة في باريس، ثم كانت الكارثة على تجار المعارضة ذاتهم عندما تم التضييق عليهم بالمال بنسب تصل الى 75% مما كانوا يتلقون.‏

لقد استخلصت اميركا من هذا الامر ان التصدع في عملائها وبوجهيه الميداني والسياسي سيؤدي اذا استمر اوتفاقم وفي مهلة اسابيع قليلة الى تمكن سورية بشعبها وحكمها من حسم الامور واستعادة كامل السيطرة على كامل البلاد ولن يبقي لها بعد ذلك دور في الحركة التفاوضية الدولية الجارية اوالتي يحضر لها من اجل ارساء المخرج من الازمة،مخاوف فاقمها موقف الاخضر الابراهيمي في مجلس الامن التي ذكر فيه بان الرئيس بشار الاسد ممسك بمقاليد الامور في سورية ولا يبدوأن احداً قادر على ازاحته من منصبه، وهوقول لاقى الصدى السريع عند المعارضة التي لطالما جاهرت بفجورها رفضا للحوار، فخرج من يسمى «رئيس ائتلاف الدوحة» (معاذ الخطيب) بموقف - مفاجأة يعرض فيها الحوار مع السلطة.‏

لكل هذه الاسباب امرت اميركا ربيبتها اسرائيل بتنفيذ عمل عسكري مباغت ومحدود تتوخى منه تحقيق الاهداف التالية:‏

1) حجب الانتصارات والانجازات التي حققتها الدولة السورية في وجه المسلحين والارهابيين، حجبها عن شاشة الاعلام العالمي وتقديم خبر مناقض لها من اجل المس بالمعنويات السورية. وقد تكون اميركا راهنت ايضا على ردة فعل سورية انفعاالية بقصف اهداف داخل اسرائيل تبرر قيام الطيران الاسرائيلي مباشرة بقصف يشكل اسناداً مباشراً للارهابيين لتحقيق انجازات ميدانية عجزوا عن بلوغها.‏

2) رفع معنويات جماعات الاجرام والارهاب بعد التصدع الذي لحقها نتيجة الخسائر البليغة التي اصابتها وذلك عبر تقديم دليل مادي حسي وميداني للارهابيين يؤكد لهم بان قيادتهم الاستعمارية التي خططت للعدوان على سورية لم تتخل عنهم بعد.‏

3) استعادة ورقة القوة المتصدعة على طاولة المفاوضات حول سورية، وتوجيه رسالة لمحور المقاومة والجبهة الدولية الرافضة للعدوان على سورية، مفادها ان حسم الامور ميدانيا امر لن تتقبله اميركا بيسر وسهولة، وانها لن تتخلى عن موقعها التفاوضي اوتجبر على التخلي عنه.‏

انطلاقا من تلك الخلفية ومن اجل تحقيق تلك الاهداف قامت اسرائيل بتنفيذ الطلب الاميركي بالعدوان. ولا نقول «بعد الحصول ضوء اخضر اميركي» – كما يقول البعض – فالعملية كانت حاجة اميركية وتنسجم مع الطبيعة العدوانية- الارهابية الاسرائيلية. لهذا جهدت اميركا قبل التنفيذ ومن اجل تأمين المبرر واضفاء الشرعية على العدوان، جهدت في التحذير من نقل سورية اسلحة لحزب الله. ثم انها سربت الخبر بعد العملية باعتبارها كانت ضد قافلة تنقل سلاحا لحزب الله، واصرت على ذلك عندما فضحتها سورية بصدقيتها واعلانها عن العملية ونشر بيان واضح ومفصل عنها باعتبارها عدوان على منشأة علمية عسكرية ولا علاقة للامر من قريب اوبعيد باي قافلة مزعومة لكن اميركا، عادت واصرت على مسألة القافلة وقالت بان اسرائيل نفذت عملها ضد هدفين، المنشأة والقافلة. ونحن نعلم ان اميركا لوكانت صادقة في ادعائها اوكانت تملك ادنى دليل لاثباته لكانت نشرت على الاقل صور القافلة قبل القصف وبعده وهي بدون ادنى شك تكون التقطت من قبل الطائرات المعتدية اومن قبل الاقمار الصناعية التي تغطي المنطقة على مدارا الساعة. ومن المؤكد عليه بان اميركا التي عجزت مع كل المنظومة الصهيونية الغربية من منع تراكم القوة عند حزب الله خلال السنوات الماضية ولم تستطع ان تدعي انها تمكنت من اكتشاف عملية نقل سلاح واحدة لن نستطيع ان تقنع عاقلا بادعائها ويبقى الاصرار على الادعاء ذوغاية واحدة هوتبرير العدوان الاسرائيلي باعتباره عمل دفاعي وقائي.‏

لكل هذا وذاك كانت العملية الجوية الاسرائيلية التي استهدفت مركز البحث العلمي في جمرايا، عملية نفذت بعد ان تمكنت الطائرات المعادية من التملص من هوائيات الرادارات السورية وارادت اميركا واسرائيل منها ان تبلغ الوكلاء - العملاء (الذين صرحوا يوما بجهوزيتهم للترحيب بشارون اذا جاء مقاتلا ضد سورية ) قائلة اني معكم فتابعوا الاجرام والارهاب، فما كان من هؤلاء الذين طلقوا طلاقاً بائناً كل مبادئ الاخلاق والشرف والوطنية الا ان تلقوا الرسالة بحفاوة ورقصوا طربا للعدوان الاسرائيلي، اما الذي خشي منهم ان يعلن مكنون مشاعره المؤيدة للعدوان فقد حمل سورية مسؤولية العدوان وبكل فجور. هذا ما حصل ولكن هل حقق العدوان اهدافه؟‏

لن نغرق في التفاصيل ويكفي للاجابة واظهار النتائج والانعاكسات ان نتوقف عند الامور التالية:‏

- اعلنت سورية عن العدوان كما حصل وبوضوح كلي اما قرارها بالرد فكان مضمرا واتخذته دونما ضجيج وبنته على رؤية عسكرية واستراتيجية ميزت فيها بين مبدأ الرد وقد تقرر، والتنفيذ الذي ترك لظرفه في المكان والتوقيت المناسبين وبالحجم الملائم ومن طبيعة العدوان ذاته. وهنا نلاحظ كيف ان اسرائيل فهمت السلوك السوري فاتخذت تدابير الحيطة والحذر ولا زالت. وبهذا يكون اجهاض لهدف من اهداف العدوان، لجهة الاحتفاظ بالرد وعدم الانزلاق الى ما تريد اميركا.‏

- عدم تأثر معنويات الجيش العربي السوري وخططه وعملياته الميدانية واستمراره في ملاحقة المسلحين والارهابيين ومراكمة الانجازات العسكرية وفي ذلك اجهاض لهدف اخر من اهداف العدوان.‏

- لم تكترث سورية اوحزب الله بمواقف اميركا ولم تعلق عليها، باعتبار المقاومة مستمرة في مسيرتها ووفقا لما تراه من اساليب لتراكم القوة اعتمدتها في السابق وعجزت اميركا واسرئيل عن اكتشافها، وليس لاميركا اي حق اومشروعية في ان تحدد ما ينبغي فعله اوالاحجام عنه في هذا السبيل.‏

- التصرف الروسي وبمسؤولية دولية عالية، تصرف بادانة العدوان ثم اطاح باللقاء الرباعي الذي روجت له اميركا ليجمعها الى روسيا، مع الاخضر الابراهيمي ورئيس ائتلاف الدوحة، ثم اضطرار الاخيرين للقاء لافروف كل على حدة، بعد ان لحس معاذ الخطيب كل ما كان اتخذه هو وائتلافه من مواقف ضد روسيا واندفاعه للقاء وزير خارجيتها ثم الاستعداد للذهاب الى موسكو.‏

وفي الخلاصة نرى ان العدوان الاسرائيلي لم يغير مسار الاحداث، ولم يحقق ما كانت تشتهيه اميركا، فالازمة السورية تخط طريقها الى نهاياتها المكرسة للحق السوري ولا نقول بحثاً عن «حل سلمي» لان هذه العبارة لم يعد لها مكان على المسرح بعد ذاك الثمن الذي دفعته سورية للاحتفاظ بسيادتها وقرارها المستقل وحقوقها القومية، بل نقول باتجاه مخرج من الميدان كما فرض الصمود السوري، مخرج بدأ البحث الجدي عنه وبشكل جدي وهذا ما بات اكيدا لدى العقلاء المتابعين والمعنيين بالشأن السوري، اما الذين ران على قلوبهم اوعلى اعينهم غشاوة والمكابرون الرافضون لهذا الحقيقة فليس لهم محل على طاولة البحث اصلا، ولن يكون لهم وزن اودور في صياغة المخرج ولن يعبأ احد بمواقفهم طالما لا يملكون اصلاً قرارهم.‏

* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أمين حطيط
أمين حطيط

القراءات: 55
القراءات: 252
القراءات: 187
القراءات: 224
القراءات: 386
القراءات: 412
القراءات: 505
القراءات: 296
القراءات: 630
القراءات: 311
القراءات: 487
القراءات: 412
القراءات: 544
القراءات: 428
القراءات: 374
القراءات: 303
القراءات: 414
القراءات: 630
القراءات: 661
القراءات: 655
القراءات: 656
القراءات: 511
القراءات: 560
القراءات: 632
القراءات: 918
القراءات: 730

أرشيف المقالات لعام 2004

 

 

E - mail: admin@thawra.com

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية