أسقط الجيش العربي السوري نهائياً رهانات الميلشيات المسلحة المقاتلة في حلب وداعميها الإقليميين والدوليين على تحقيق أي نصر عسكري أو إنجاز نوعي من شأنه أن يحسن ظروف وشروط التفاوض المزمعة على طاولة الحوار المرتقبة بعد تسريبات من عواصم القرار تحدثت عن قرب إسدال الستار على الخيار والحسم العسكري إثر فشلهم في «معركة دمشق» الأخيرة.
ورأت القوى الإقليمية التي تقود غرف عمليات التشكيلات المسلحة على مستوى مساحة البلاد أن تسليط الضوء وتكثيف الجهود في «معركة حلب» قد يعوض صدمة معركة العاصمة وخيبة الأمل التي مني بها المسلحون والأطراف الداعمة والتي طالبت بفرصة أخيرة قد تغير مسار معركة حلب لمصلحتهم لكن جرت الرياح ولا تزال تجري بما لا تشتهيه سفنهم بفضل صمود الجيش العربي السوري والتفاف أبناء المدينة حوله.
الجيش، وحسب خبراء عسكريين، أثبت مهارة وقدرة فائقة في صد جميع هجمات المسلحين اليائسة وقلص مساحة نفوذهم داخل المدينة بعدما استعاد السيطرة على أحياء عديدة شكلت مركز ثقل لهم وأهمها حاضنته الرئيسة حي صلاح الدين وأحياء أخرى كسيف الدولة والإذاعة والعامرية والعرقوب والميدان وسليمان الحلبي والليرمون والشيخ سعيد، واكتسب زمام المبادرة أخيراً بالتحول من رد الفعل إلى الفعل فراح يشن هجمات ويقيم حواجزه الثابتة في عمق الأحياء الجنوبية التي حقق فيها تقدماً لافتاً مثل بستان القصر والكلاسة والصالحين بالإضافة إلى مكاسبه التي حققها في المدينة القديمة في حي أغيور ومحيطي الجامع الأموي وقلعة حلب إضافة إلى عملياته النوعية الخاطفة التي تستهدف أوكار ومراكز تجمع المسلحين ومخازن أسلحتهم في الأحياء الشرقية.
وأكد محللون عسكريون أن حسابات بيدر المسلحين لم تنطبق على حساب صندوق الداعمين الإقليميين الذين يئسوا من تحقق ظفر كبير على الأرض يتجلى بالاستحواذ على محافظة كاملة أو مركز محافظة أو على ثكنة عسكرية أو مطار عسكري إستراتيجي أو حتى على مركز أمني مهم «ولذلك قادت معركة حلب، التي عول عليها كثيراً كونها ثاني أكبر المدن السورية وعاصمة الاقتصاد والصناعة، إلى حرب استنزاف للمسلحين لا طاقة لخبراتهم وطاقتهم بها ولا حمل للمانحين بتحمل تكاليفها الباهظة التي فاقت التوقعات خلال ستة أشهر من عمرها»، وفق قول أحدهم لـ«الوطن». وفاقم من خسارة المسلحين فقدان أي حاضنة شعبية في جميع مناطق المدينة بما فيها الأحياء التي يسيطرون عليها والتي تشهد على الدوام تظاهرات منددة بممارساتهم وتعدياتهم ومطالبة بخروجهم بالإضافة إلى اشتداد ساعد «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة في أحيائهم كلاعب قوي بعد طردها لمسلحي باقي الجماعات والكتائب المسلحة وخصوصاً «لواء التوحيد» الفصيل المسلح الأكبر في المدينة. إنجازات الجيش تتوالى والمسلحون يتخبطون بعمليات انتقامية على غرار القذائف الصاروخية التي أطلقوها على جامعة حلب وعلى مبنيين سكنيين في حي المحافظة كدليل على إفلاسهم ونقمتهم من الهزيمة أما إعطاؤهم مهلة جديدة لتحقيق مكسب ما في حلب فنوع من المقامرة والمجازفة الفاشلة مثل إخفاق الرهان على دمشق مراراً.