علمت «الوطن» من مصادر إعلامية فرنسية فضلت عدم الكشف عن هويتها أن جهاز المخابرات الفرنسية وجه كتاباً لحكومة بلاده لتخفيف كمية السلاح المرسل إلى ما يسمى «الجيش الحر» لسببين مهمين الأول أن الجيش العربي السوري ومن خلال عمليات عسكرية نوعية صادر كميات كبيرة من هذا السلاح والثاني أن كتائب الجيش الحر يبيعون هذا السلاح للتكفيريين والجهاديين.
وقال المصدر: إن كتاباً أرسله ضابط استخبارات فرنسي موجود في أنطاليا برفقة عدد من الضباط العرب والأجانب من أجهزة أمنية مختلفة خاطب حكومة بلاده متحدثاً عن «تخفيض إضافي» للسلاح المرسل.
وجاء في الكتاب: إن «جزءاً كبيراً من هذا السلاح يصل إلى المنظمات السلفية التكفيرية بعدة طرق، منها الاستيلاء بالقوة من هذه المنظمات على السلاح أو نتيجة لقيام الجيش الحرّ ببيعه بأسعار مرتفعة لهؤلاء التكفيريين، وأن الجيش السوري شدد قبضته مؤخراً من خلال عمليات عسكرية نوعية تستهدف تجمعات الجيش الحر والمنظمات السلفية وصادر كميات هائلة من هذا السلاح».
وورد في الكتاب ملاحظة مهمة وهي أن هذا السلاح لا يحقق الحد الأدنى من النتائج المطلوبة وأصبح يشكل خسارة فادحة للذين يصدرونه، كما أن وقوعه بيد الجيش العربي السوري يشكل دليل إدانة على التدخل الدولي في الشؤون السورية والذي قد يستخدم أمام المحافل الدولية.
وتشير المعلومات الاستخبارية الفرنسية بحسب المصدر إلى أن «الإدارة الأميركية سوف تتخلى عن دعم المجموعات المسلحة التي تطلق على نفسها اسم «الجيش الحر»، وتركز فقط على الدعم السياسي لائتلاف الدوحة لفرضه بالقوة كطرف في الحل السياسي. ومحاولة الحصول له على الحصة الأكبر من نتائج هذا الحل. وقد جاء ذلك في توصيات رسمية لمجلس الأمن القومي الأميركي رفعه إلى البيت الأبيض مؤكداً فيها أن إمكانية إسقاط النظام السوري بالعمليات المسلحة سواء من الجيش الحر أو التنظيمات الإسلامية، أمر مستحيل، ووهم كبير يجب التخلي عنه، وأن الحرب على سورية انتهت على الصعيد الإستراتيجي ولم تعد لدى الجيش الحر أو سواه فرصة لتحقيق أي هدف. وأن على الإدارة الأميركية أن تكبح جماح الحلفاء الأوروبيين والخليجيين والأتراك وتخفف من اندفاعهم في عمليات التمويل والتسليح لإعطاء فرصة واسعة لمشروع حل سياسي يأخذ بالحسبان المصالح الأميركية في المنطقة، وإلا فإن هذه المصالح باتت مهددة بالانهيار التام لأن سورية ستغرق في فوضى مسلحة طويلة الأمد وستؤدي هذه الفوضى إلى عدوى لا يمكن السيطرة عليها تطيح بالإنجازات الأميركية في العراق الذي يقف على شفير الحرب الأهلية كما سيصاب الأردن بهذه العدوى وهو الحلقة الأضعف إذ سينهار سريعاً وتكون بذلك بوابة دول الخليج مهددة بنقل هذه الفوضى إلى تلك الدول».
وأوضح المصدر، أن تقرير المخابرات الفرنسية يشير إلى أن «العد التنازلي لتحقيق تسوية سياسية في سورية قد بدأ فعلياً من أميركا وليس من روسيا، حيث إن البيت الأبيض لديه قناعة تامة بعدم إمكانية التدخل العسكري في سورية ولا في أي منطقة أخرى من العالم مع ما تشهده الولايات المتحدة من أزمة مالية خطيرة. كما أن أوباما يعتبر إدارته القديمة غير مؤهلة للتعامل مع المسائل الحالية ولا تستطيع اتخاذ قرارات إستراتيجية تتضمن مبادرات كبرى. ومن ثم فإن أوباما سيلجأ إلى اتفاق مع روسيا لحل سياسي في سورية يضمن له تحقيق ما يريد من المصالح الأميركية، ولهذا السبب أخفى أوباما امتعاضه ولم يظهر أي ردة فعل عندما أفشل بعض معاونيه تطبيق بيان جنيف حيث كان مشغولاً بحملة الانتخابات الرئاسية، إلا أنه باشر فور إعادة انتخابه بحملة تنظيف كبيرة لإدارته فقام بإخراج كلينتون من وزارة الخارجية وطلب من سوزان رايس الاعتذار عن تولي المنصب ليأتي بجون كيري المعروف بصداقته للرئيس الأسد. وهذا بحد ذاته مؤشر على توجه أميركا للقبول بتسوية سياسية في سورية».
وتضيف معلومات المخابرات الفرنسية بحسب المصدر بأن «الرئيس أوباما لم يكن بعيداً عن المعرفة المسبقة بالفخ الذي وقع فيه ديفيد بترايوس مدير المخابرات المركزية واضطراره للاستقالة وما لحقه من سقوط رموز كبيرة في القوات الأميركية عاملة بحلف شمال الأطلسي والدرع المضاد للصواريخ، والذي قد يكون فيه محاولة طمأنة وإرضاء أميركية لروسيا».
ووفق تقرير المخابرات الفرنسية، فإن وزير خارجية بلاده بدا متوتراً في الأيام الأخيرة وقد ردد في مجالسه الخاصة أن بريطانيا وفرنسا قد تعترضان على مواقف أميركية مستجدة للتجاوب مع الدعوة الروسية لحل أزمة سورية ولكنهما في النهاية سيواكبون الموقف الأميركي ويقبلون به. ولكن فابيوس كان يختتم حديثه بالتساؤل فيما إذا كانت الصفقة الأميركية الروسية ستراعي مصالح القطبين فقط وتضحي بالمصالح الأوروبية، لأن هذا هو شأن السياسة الأميركية عبر التاريخ والتي وصفها بأنها رمال متحركة.